فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال إدريس عن أبيه: إنما أكل بنو يعقوب طعامًا فأخذ يوسف عرقًا فخبأه فرموه لذلك بالسرقة، وقال سعيد بن جبير وقتادة: إنما أمرته أمه أن يسرق صنمًا لأبيها، فسرقه وكسره، وكان ذلك- منها ومنه- تغييرًا للمنكر، فرموه لذلك بالسرقة، وفي كتاب الزجاج: أنه كان صنم ذهب.
والضمير في قوله: {فأسرها} عائد يراد به الحزة التي حدثت في نفس يعقوب من قوله، والكلام يتضمنها، وهذا كما تضمن الكلام الضمير الذي في قول حاتم:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ** إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر

وهذا كقوله تعالى: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعدما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} [النحل: 110] فهي مراد بها الحالة المتحصلة من هذه الأفعال.
وقال قوم: أسر المجازاة، وقال قوم: أسر الحجة. وما قدمناه أليق. وقرأ ابن أبي عبلة: {فأسره يوسف} بضمير تذكير.
وقوله: {أنتم شر مكانًا} الآية، الظاهر منه أنه قالها إفصاحًا فكأنه أسر لهم كراهية مقالتهم ثم تجهمهم بقوله: {أنتم شر مكانًا} أي لسوء أفعالكم، والله يعلم إن كان ما وصفتموه حقًا، وفي اللفظ إشارة إلى تكذيبهم، ومما يقوي هذا عندي أنهم تركوا الشفاعة بأنفسهم وعدلوا إلى الشفاعة بالشيخ صلى الله عليه وسلم.
وقالت فرقة- وهو ظاهر كلام ابن عباس- لم يقل يوسف هذا الكلام إلا في نفسه- وإنما هو تفسير للذي أسر في نفسه، أي هذه المقالة هي التي أسر، فكأن المراد في نفسه: أنتم... وذكر الطبري هنا قصصًا اختصاره: أنه لما استخرجت السقاية من رحل بنيامين قال إخوته: يا بني راحيل ألا يزال البلاء ينالنا من جهتكم؟ فقال بنيامين: بل بنو راحيل ينالهم البلاء منكم: ذهبتم بأخي فأهلكتموه، ووضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع الدراهم في رحالكم. فقالوا: لا تذكر الدراهم لئلا نؤخذ بها. ثم دخلوا على يوسف فأخذ الصواع فنقره فطن، فقال: إنه يخبر أنكم ذهبتم بأخ لكم فبعتموه، فسجد بنيامين وقال: أيها العزيز سل صواعك هذا يخبرك بالحق.
قال القاضي أبو محمد: ونحو هذا من القصص الذي آثرنا اختصاره. وروي أن روبيل غضب ووقف شعره حتى خرج من ثيابه، فأمر بنيًا له، فمسه، فسكن غضبه، فقال روبيل: لقد مسني أحد من ولد يعقوب، ثم إنهم تشاوروا في محاربة يوسف- وكانوا أهل قوة لا يدانون في ذلك- فلما أحس يوسف بذلك قام إلى روبيل فلببه وصرعه، فرأوا من قوته ما استعظموه عند ذلك وقالوا: {يا أيها العزيز...} [يوسف: 88].
{قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ}
خاطبوه باسم: {العزيز} إذ كان في تلك الخطة بعزل الأول أو موته- على ما روي في ذلك- وقولهم: {فخذ أحدنا مكانه} يحتمل أن يكون مجازًا وهم يعلمون أنه لا يصح أخذ حر ليسترقّ بدل من أحكمت السنة رقه، وإنما هذا كما تقول لمن تكره فعله: اقتلني ولا تفعل كذا وكذا، وأنت لا تريد أن يقتلك، ولكنك تبالغ في استنزاله، وعلى هذا يتجه قول يوسف: {معاذ الله} لأنه تعوذ من غير جائز، ويحتمل أن يكون قولهم: {فخذ أحدنا مكانه} حقيقة، وبعيد عليهم- وهم أنبياء- أن يريدوا استرقاق حر، فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك طريق الحمالة، أي خذ أحدنا حتى ينصرف إليك صاحبك، ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه، ويعرف يعقوب جلية الأمر، فمنع يوسف عليه السلام من ذلك، إذ الحمالة في الحدود ونحوها لمعنى إحضار المضمون فقط جائزة مع التراضي غير لازمة إذا أبى الطالب، وأما الحمالة في مثل ذلك- على أن يلزم الحميل ما كان يلزم المضمون من عقوبة- فلا يجوز ذلك إجماعًا. وفي الواضحة: إن الحمالة بالوجه فقط في جميع الحدود جائزة إلا في النفس.
وقولهم: {إنا نراك من المحسنين}، يحتمل أن يريدوا وصفه بما رأوه من إحسانه في جميع أفعاله- معهم ومع غيرهم- ويحتمل أن يريدوا: إنا نرى لك إحسانًا علينا في هذه اليد إن أسديتها إلينا- وهذا تأويل ابن إسحاق.
و{معاذ} نصب على المصدر، ولا يجوز إظهار الفعل معه، والظلم في قوله: {الظالمون} على حقيقته، إذ هو وضع الشيء في غير موضعه، وذكر الطبري أنه روي أن يوسف أيأسهم بلفظه هذا، قال لهم: إذا أتيتم أباكم فاقرأوا عليه السلام، وقولوا له: إن ملك مصر يدعو لك ألا تموت حتى ترى ولدك يوسف، ليعلم أن في أرض مصر صديقين مثله. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قالوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ}
المعنى: أي اقتدى بأخيه، ولو اقتدى بنا ما سرق؛ وإنما قالوا ذلك ليبرؤوا من فعله، لأنه ليس من أمهم؛ وأنه إن سرق فقد جذبه عِرْق أخيه السّارق؛ لأن الاشتراك في الأنساب يشاكل في الأخلاق.
وقد اختلفوا في السرقة التي نسبوا إلى يوسف؛ فروي عن مجاهد وغيره أن عمة يوسف بنت إسحق كانت أكبر من يعقوب، وكانت صارت إليها مِنْطقة إسحق لسنِّها؛ لأنهم كانوا يتوارثون بالسنّ، وهذا مما نسِخ حكمه بشرعنا، وكان من سَرَق استعبد.
وكانت عمة يوسف حَضَنَتْه وأحبّته حبًّا شديدًا؛ فلما ترعرع وشَبَّ قال لها يعقوب: سلّمي يوسف إليّ، فلست أقدر أن يغيب عني ساعة؛ فولعتْ به، وأشفقت من فراقه؛ فقالت له: دعه عندي أيامًا أنظر إليه فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى مِنطَقة إسحق، فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه، ثم قالت: لقد فقدتُ مِنْطقة إسحق، فانظروا مَن أخذها ومَن أصابها؛ فالتمست ثم قالت: اكشفوا أهل البيت فكشفوا؛ فوجدت مع يوسف.
فقالت: إنه والله لي سلم أصنع فيه ما شئت؛ ثم أتاها يعقوب فأخبرته الخبر، فقال لها: أنت وذلك، إن كان فعل ذلك فهو سلم لك؛ فأمسكته حتى ماتت؛ فبذلك عيّره إخوته في قولهم: {إنْ يَسْرِقْ فقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}.
ومن هاهنا تعلّم يوسف وضع السقاية في رَحْلِ أخيه كما عملت به عمته.
وقال سعيد بن جُبير: إنما أمرته أن يسرِق صنمًا كان لجدّه أبي أمه، فسرقه وكسره وألقاه على الطريق، وكان ذلك منهما تغييرًا للمنكر؛ فرموه بالسرقة وعيّروه بها؛ وقاله قتادة.
وفي كتاب الزجّاج: أنه كان صنم ذهب.
وقال عطية العَوْفي: إنه كان مع إخوته على طعام فنظر إلى عرق فخبأه فعيّروه بذلك.
وقيل: إنه كان يسرِق من طعام المائدة للمساكين؛ حكاه ابن عيسى.
وقيل: إنهم كذبوا عليه فيما نسبوه إليه؛ قاله الحسن.
قوله تعالى: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} أي أسرّ في نفسه قولهم: {إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} قاله ابن شجرة وابن عيسى.
وقيل: إنه أسرّ في نفسه قوله: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا} ثم جهر فقال: {والله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ}.
قاله ابن عباس، أي أنتم شر مكانًا ممن نسبتموه إلى هذه السرقة.
ومعنى قوله: {والله أعلم بما تصفون} أي الله أعلم أنّ ما قلتم كذب، وإن كانت لله رضا.
وقد قيل: إن إخوة يوسف في ذلك الوقت ما كانوا أنبياء.
قوله تعالى: {قَالُواْ يا أيها العزيز إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} خاطبوه باسم العزيز إذ كان في تلك اللحظة بعزل الأول أو موته.
وقولهم: {إنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} أي كبير القدر، ولم يريدوا كبر السنّ؛ لأن ذلك معروف من حال الشيخ.
{فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} أي عبدًا بَدَلَه؛ وقد قيل: إن هذا مجاز؛ لأنهم يعلمون أنه لا يصح أخذ حر يسترق بدل من قد أحكمت السنة عندهم رقّه؛ وإنما هذا كما تقول لمن تكره فعله: اقتلني ولا تفعل كذا وكذا، وأنت لا تريد أن يقتلك، ولكنك مبالغ في استنزاله.
ويحتمل أن يكون قولهم: {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} حقيقة؛ وبعيد عليهم وهم أنبياء أن يروا استرقاق حر، فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك طريق الحمالة؛ أي خذ أحدنا مكانه حتى ينصرف إليك صاحبك؛ ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه؛ ويعرف يعقوب جليّة الأمر؛ فمنع يوسف عليه السلام من ذلك، إذِ الحمالة في الحدود ونحوها بمعنى إحضار المضمون فقط جائزة مع التراضي، غير لازمة إذا أَبَى الطالب؛ وأما الحمالة في مثل هذا على أن يلزم الحميل ما كان يلزم المضمون من عقوبة، فلا يجوز إجماعًا.
وفي الواضحة: إن الحمالة في الوجه فقط في جميع الحدود جائزة، إلا في النفس.
وجمهور الفقهاء على جواز الكفالة في النفس.
واختلف فيها عن الشافعي؛ فمرّة ضعّفها، ومرّة أجازها.
قوله تعالى: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} يحتمل أن يريدوا وصفه بما رأوا من إحسانه في جميع أفعاله معهم، ويحتمل أن يريدوا: إنا نرى لك إحسانًا علينا في هذه اليد إن أسديتها إلينا؛ وهذا تأويل ابن إسحق.
قوله تعالى: {قَالَ مَعَاذَ الله} مصدر.
{أَن نَّأْخُذَ} في موضع نصب؛ أي من أن نأخذ.
{إِلاَّ مَن وَجَدْنَا} في موضع نصب ب {نأخذ}.
{مَتَاعَنَا عِندَهُ} أي معاذ الله أن نأخذ البريء بالمجرم، ونخالف ما تعاقدنا عليه.
{إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ} أي أن نأخذ غيره. اهـ.

.قال الخازن:

{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}
قوله تعالى: {قالوا} يعني إخوة يوسف: {إن يسرق} يعني بنيامين الصواع: {فقد سرق أخ له من قبل} يعني يوسف ظاهر الآية يقتضي أن إخوة يوسف قالوا للملك إن هذا الأمر ليس بغريب منه فإن أخاه الذي هلك كان سارقًا أيضًا وكان غرضهم من هذا الكلام أنّ لسنا على طريقته ولا على سيرته بل هذا وأخوه كان على هذه الطريقة وهذه السيرة لأنهما من أم أخرى غير أمنا.
واختلفوا في السرقة التي ينسبوها إلى يوسف فقال سعيد بن جبير وقتادة: وكان لجده أبي أمه صنم وكان يعبده فأخذه يوسف وكسره وألقاه في الطريق لئلا يعبده، وقال مجاهد: إن يوسف جاءه سائل يومًا فأخذ بيضة من البيت فناولها له، وقال سفيان بن عيينة أخذ دجاجة من الطير الذي كان في بيت يعقوب فأعطاها سائلًا، وقال وهب: كان يخبئ الطعام من المائدة للفقراء.
وذكر محمد بن إسحاق: إن يوسف كان عند عمته ابنة إسحاق بعد موت أمه راحيل فحضنته عمته وأحبته حبًا شديدًا فلما ترعرع وكبر وقعت محبة يعقوب عليه فأحبه فقال لأخته يا أختاه سلمي إلي يوسف فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة واحدة فقالت لا أعطيكه فقال لها والله ما أنا بتاركه عندك فقالت دعه عندي أيامًا أنظر إليه لعل ذلك يسليني عنه ففعل ذلك فعمدت إلى منطقة كانت لإسحاق وكانوا يتوارثونها بالكبر وكانت أكبر أولاد إسحاق فكانت عندها فشدت المنطقة على وسط يوسف تحت ثيابه وهو صغير لا يشعر ثم قالت لقد فقدت منطقة إسحاق ففتشوا أهل البيت فوجودها مع يوسف فقالت إنه لسلم لي يعني يوسف فقال يعقوب إن كان قد فعل فهو سلم لك فأمسكته عندها حتى ماتت فلذلك قال إخوة يوسف إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل يعنون هذه السرقة قال الأنباري: وليس في هذه الأفعال كلها ما يوجب السرقة ولكنها تشبه السرقة فعيروه بها عند الغضب: {فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم} في هاء الكناية ثلاثة أقوال: أحدها: أن الضمير يرجع إلى الكلمة التي بعدها وهي قوله تعالى: {قال} يعني يوسف: {أنتم شر مكانًا} روى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس والثاني أن الضمير يرجع إلى الكلمة التي قالوها في حقه وهي قولهم فقد سرق أخ له من قبل وهذا معنى قول أبي صالح عن ابن عباس، فعلى هذا القول يكون المعنى فأسر يوسف جواب الكلمة التي قالوها في حقه ولم يجبهم عليها والثالث أن الضمير يرجع إلى الحجة فيكون المعنى على هذا القول فأسر يوسف الاحتجاج عليهم في ادعائهم عليه السرقة ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا يعني منزلة عند الله ممن رميتموه بالسرقة لأنه لم يكن من يوسف سرقة في الحقيقة وخيانتكم حقيقة: {والله أعلم بما تصفون} يعني بحقيقة ما تقولون.
قوله: {قالوا} يعني إخوة يوسف: {يا أيها العزيز} يخاطبون بذلك الملك: {إن له أبًا شيخًا كبيرًا} قال أصحاب الأخبار والسير إن يوسف لما استخرج الصواع من رحل أخيه بنيامين نقره وأدناه إلى أذنه ثم قال إن صواعي هذا يخبرني أنكم اثنا عشر رجلًا لأب واحد وإنكم انطلقتم بأخ لكم من أبيكم فبعتموه قال بنيامين أيها الملك سل صواعك هذا من جعله في رحلي فنقره ثم قال إن صواعي غضبان وهو يقول كيف تسألني عن صاحبي وقد رأيت مع من كنت قالوا فغضب روبيل لذلك وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا وكان روبيل إذا غضب لم يقم لغضبه شيء وكان إذا صاح ألقت كل حامل حملها إذا سمعت صوته وكان من هذا إذا مسه أحد من ولد يعقوب يسكن غضبه وكان أقوى الإخوة وأشدهم، وقيل: كانت هذه صفة شمعون بن يعقوب، وقيل: إنه قال لإخوته كم عدد الأسواق بمصر قالوا عشرة قال اكفوني أنتم الأسواق وأنا أكفيكم الملك أو اكفوني أنتم الملك وأنا أكفيكم الأسواق فدخلوا على يوسف فقال روبيل أيها الملك لتردن علينا أخانا أو لأصيحن صيحة لا يبقى بمصر امرأة حامل إلا وضعت ولدها وقامت كل شعرة في جسد روبيل حتى خرجت من ثيابه فقال يوسف لابن له صغير قم إلى جنب هذا فمسه أو خذ بيده فأتى له فلما مسه سكن غضبه فقال لإخوته: من مسني منكم قالوا لم يصبك منا أحد فقال روبيل إن هذا بذر من بذر يعقوب وقيل إنه غضب ثانيًا فقام إليه يوسف فوكزه برجله وأخذ بتلابيبه فوقع على الأرض وقال أنتم يا معشر العبرانيين تزعمون أن لا أحد أشد منكم فلما رأوا ما نزل بهم ورأوا أن لا سبيل إلى تخليصه خضفوا وذلوا وقالوا يا أيها العزيز إن له أبًا شيخًا كبيرًا يعني في السن ويحتمل أن يكون كبيرًا في القدر لأنه نبي من أولاد الأنبياء: {فخذ أحدنا مكانه} يعني بدلًا عنه لأنه يحبه ويتسلى به عن أخيه الهالك: {إنا نراك من المحسنين} يعني في أفعالك كلها وقيل من المحسنين إلينا في توفية الكيل وحسن الضيافة ورد البضاعة إلينا وقيل إن رددت بنيامين إلينا وأخذت أحدنا مكانه كنت من المحسنين.
{قال معاذ الله}
يعني: قال يوسف أعوذ بالله معاذًا: {أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده} لم يقل سرق تحرزًا عن الكذب لأنه يعلم أخاه ليس بسارق: {إنا إذًا لظالمون} يعني إن أخذنا بريئًا بذنب غيره فإن قلت كيف استجاز يوسف أن يعمل مثل هذه الأعمال بأبيه ولم يخبره بمكانه وحبس أخاه أيضًا عنده مع علمه بشدة وجد أبيه عليه ففيه ما فيه من العقوق وقطيعة الرحم وقلة الشفقة وكيف يجوز ليوسف مع علو منصبه من النبوة والرسالة أن يزور على إخوته ويروج عليهم مثل هذا مع ما فيه من الإيذاء لهم فكيف يليق به هذا كله قلت قد ذكر العلماء عن هذا السؤال أجوبة كثيرة وأحسنها وأصحها أنه إنما فعل ذلك بأمر الله تعالى له لا عن أمره وإنما أمره الله بذلك ليزيد بلاء يعقوب فيضاعف له الأجر على البلاء ويلحقه بدرجة آبائه الماضين لله تعالى أسرار لا يعلمها أحد من خلقه فهو المتصرف في خلقه بما يشاء وهو الذي أخفى خبر يوسف عن يعقوب في طول هذه المدة مع قرب المسافة لما يريد أن يدبره فيهم والله أعلم بأحوال عباده. اهـ.